من الناس مَن ينظر إلى الخير كلّه والنِّعمة برمتها مجسَّدة في كثرة المال والعشيرة والأولاد، ويستغرق في فتنة المال والولد، ويتناسى الخير الفعلي في التزوّد بالعلم النافع وتعلّم شريعة الله والتزام حدوده وحمل الأمانة والسَّير في خطّ الهدى، كذلك التحلّي بالخلق النبيل. ومن أهمّ ذلك، الحلم، بحيث يتّسع صدره للكبير والصغير، ويُعالج ما يستجدّ من مشاكل بالأناة والحكمة، والترفع عن الانفعالات وضيق الصدر وسوء الخلق. ولقد ابتلانا تعالى بفتنة المال والولد: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (الأنفال/ 28).
اختبار المال والولد والجاه والسلطة أراده تعالى مجالاً لتمحيص نوايانا ومشاعرنا وتصرُّفاتنا وأفعالنا، لينظر هل سننحرف تحت تأثير كلّ ذلك ونتعدى حدوده، ولا نلتفت إلى ما أراده من خير حقيقي لنا في التبصّر في أُمور ديننا، والإقبال على العلم النافع وبناء وعينا، والتحرّك في الحياة على أساس الفهم لمسؤولياتنا وواجباتنا تجاه الله والناس والحياة من حولنا؟!
أراد تعالى لنا ألا نجعل كلّ همّنا في تحصيل المال والتفكير في الأولاد، وتناسي ما علينا من دور ومسؤوليات، وما نتعرّض له من تحدّيات وضغوطات، وما علينا من واجبات تجاه آخرتنا، والعمل لها بكلّ وسيلة، وما يتطلبه ذلك من الوقوف موقف الحقّ، ومحاربة جشع النفس وأهوائها المنحرفة، بل أن نأخذ من الدُّنيا ما يحفظ توازننا ويلبي حاجاتنا الطبيعية.
هناك خير من نوع آخر، هو خير العلم النافع الذي يرفع مستوى وعي الإنسان، ويجعله منفتحاً على آفاق الحياة الواسعة، وعلى التفكّر في رحاب الله وعظمته. وهناك الحلم الذي يعيش فيه الإنسان أسمى مشاعر إنسانيته، ويبرز أصالة أحاسيسه وعمق إدراكه وفهمه وتعامله مع كلّ الظروف والمواقف.
قال الإمام عليّ (ع): «ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يكثر علمك ويعظم حلمك».
نحتاج إلى لحظة تعقّل لأوضاعنا ومحاسبة أنفُسنا، وأن نخرج من كلّ ما يجعلنا أُناساً أنانيين مفرطين في حبّ الدُّنيا ومظاهرها، والتعلُّق الأعمى بفتنة المال والأولاد، وأن ننطلق بكلّ وعي، حتى نحصّل العلم المفيد، ونعيش ثمار الحلم رحمةً وبركةً على الجميع، لأنّ الحياة تعمر بكثرة العلم وعظمة الحلم، بما يؤسّس لمجتمع خيِّر وفاعل.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق